"أكثر من ستون عاما على النكبة وضياع فلسطين من يد العرب"

وعندما ترحل لن تكون فارغ اليدين * بل إن كل امرأة سوف تقترض من جارتها * ومن تلك التي تقيم في بيتها جواهر من الفضة وجواهر من الذهب وأثوابا * وسوف تضعها على أجساد أبنائك وبناتك * ولسوف تسلب المصريين (سفر الخروج 22:403).

هذا ما ذكر في كتابهم، والذي نري في هذا المقطع منه سمة من سمات الشخصية اليهودية، والتي تبرز نزعة التخصيص لليهودي دون غيرة من سائر البشر، بحيث يكون اليهودي مسئولا أمام ربه عن الأذى الذي يلحقه باليهود الآخرين. لكن بإمكانه أن يغش أو يسرق أو يقتل غير اليهود دون أن يكون مسئولا أمام الرب ودون أن يعتبر ذلك انتهاكا لتعاليم دينه. وهذا ما ترجمته إسرائيل عمليا، وحولته عصابتها إلى مبررا للقتل والتنكيل بكل ما هو عربي، ليعكس مدى وحشية ودناءة تفكيرهم.

وقد جاء القرار 181 للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة وهو تقسيم فلسطين، بعد جهود قام بها الصهاينة من أجل إضفاء لشرعية وجودهم المنظم في فلسطين، واضافوا مهزلة جديدة إلى مهازل الامم المتحدة واقل ما قيل في حقها ما قاله وزير الدفاع الأمريكي آنذاك جيمس فورستل في مذكراته تعليقا على ما حدث من ضغوط للموافقة على هذا القرار"إن الطرق المستخدمة للضغط ولإكراه الأمم الأخرى في نطاق الأمم المتحدة كانت فضيحة".

فما حدث هو أن قامت هيئة الأمم المتحدة تلك بالموافقة على القرار في 29 نوفمبر 1947، وقضت بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيه إلى 3 كيانات، دولة عربية وأخرى يهودية ومدينتا القدس وبيت لحم في منطقة خاصة تحت الوصاية الدولية. كان هذا القرار بداية النهاية على أرض فلسطين.

للعلم أن عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وقتها بلغ 57 دولة فقط. أما الدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية وهي ألمانيا واليابان وحلفائهم فقد كانت خاضعة إما لاحتلال أو ممنوعة من الانضمام إلى تلك المنظمة الدولية. أما أغلبية دول القارة الإفريقية وجنوب شرق أسيا فقد كانت دولا خاضعة لسلطات استعمارية ولم تكن مستقلة.

وافقت الدول العظمى في ذلك الحين وهم ثلاث فقط الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وفرنسا على خطة التقسيم، وبذل زعماء الحركة الصهيونية جهودا وضغوطا كبيرة لإقناع الدول المترددة من أجل تأجيل التصويت لتأمين دعم ثلثي الدول الأعضاء، وهي النسبة التي كانت لازمة لإقرار خطة التقسيم. ومارسوا كافة الحيل وقد كانوا مستعدين بكل قوتهم لمثل ذلك، فمارس بعضهم الضغط باستخدام السياسيين ورجال الأعمال الأمريكيين للضغط على الدول المتعلقة اقتصاديا بالولايات المتحدة. مثل المليونير الأمريكي هارفي صمويل فايرستون صاحب مصانع الإطارات المشهورة فايرستون، أما الدول العربية فقد حاولت بخجل منع هذا التأجيل لكن دون جدوى.

ورغم ذلك فإن المتشددين اليهود من أمثال مناحيم بيغن رئيس منظمة الإرجون الصهيونية، وعضو عصابة الشتيرن إسحاق شامير رفضوا هذا المشروع. وقد صرح مناحيم بيغن أحد زعماء المعارضة في الحركة الصهيونية وزعيم عصابة عن بطلان شرعية التقسيم وأن كل أرض فلسطين ملك لليهود وستبقى كذلك إلى الأبد.

تصاعدت حدة القتال بعد هذا القرار، وسبقهتها خطة وضعتها الهاجاناه في فلسطين في خريف 1947 أسمتها الخطة دالت أو الخطة د، وكان الهدف منها هو حماية تأسيس دولة يهودية على أرض فلسطين والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الاراضي الفلسطينة وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين بكل طرق الارهاب والتخويف.

وبحلول يناير 1948 بدأت عصابات الهاجاناه والأرجون وشتيرن في حملات الترويع والترهيب فلجأتا إلى استخدام السيارات المفخخة في إرهاب الفلسطينيين، وعندما وجدوا ردات فعل قوية رغم فارق التسليح وكعادتهم بدء الصهاينة في التباكي فقاموا بالإستجداء والإستغاثة من حلفائهم أمريكا وانجلترا ودول أخرى فانهمرت عليهم سفن العتاد من أمريكا وانجلترا وأوروبا الشرقية وأستعانوا بعسكريين من أمريكا وتشيكوسلوفاكيا وروسيا لتدريبهم على الأسلحة الجديدة واستعدت المنظمات اليهودية للقتال وقوامهم 70 ألف جندي مسلح مدرب، وأعانتهم القوات البريطانية على إرتكاب المجازر والمذابح من أجل الترهيب والضغط على الفلسطنيين من أجل هجر مدنهم وقراهم. ووضعوا خطتهم لبث الرعب بين أبناء الشعب الفلسطيني وإجباره على الرحيل من أرضه، واختاروا عدة قرى لتكون مسرحا لتنفيذ مخططهم الرهيب منها قرية عين كارم ودير ياسين لتكون شاهدا على مدى تعطشهم لسفك الدماء والذي هو مستمر إلى الآن.


    الصفحة التالية