التاسع والعشرون من أكتوبر 1948
قرية الدوايمة
الدوايمة قرية فلسطينية تقع غرب مدينة الخليل على بعد 24 كيلومتراً، بلغ عدد سكانها عام 1945 حوالي3,710 نسمة. ترتفع حوالي 350 متر عن سطح البحر، ويحيط بها أراضي قرى اذنا ودورا والقبيبة وبيت جبرين وعرب الجبارات.
وهي مدينة قديمة، أطلق عليها الكنعانيون إسم "بُصقة" أي "المرتفع" وذكرت بهذا الاسم في العهد القديم، نزلت بها بعض الحملات الصليبية في العصور الوسطى وأطلق عليها الصليبيون إسم "بيتا واحيم".
يعود تسمية القرية بهذا الاسم إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وسبب تسميتها هو تخليدا لذكرى رجل صالح سكنها اسمه "علي بن عبد الدايم بن أحمد الغماري، والذي يرجع نسبه إلى العالم الجليل عبد السلام بن مشيش والذي يعود نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
المذبحة المنسية
في الساعة الحادية عشرة قبل منتصف ليل 28 اكتوبر 1948، قامت كتيبة الكوماندوز 89 التابعة للجيش الاسرائيلي والتي تألفت من جنود خدموا في عصابتي شتيرن والآرغون الصهيوينة وبقيادة موشيه دايان، وزير الدفاع لاحقا، بارتكاب مجزرة رهيبة ضد سكان قرية الدوايمة، وقد ظلت تفاصيل هذه المجزرة طي الكتمان، إلى أن كشفت عنها لأول مرة مراسلة صحيفة حداشوت الإسرائيلية خلال شهر سبتمبرعام 1984م .
تفاصيل المذبحة
جاءت الفرق الإسرائيلية وهاجمت القرية في البداية من الجهه الغربية، ثم توزعت الأليات إلى ثلاث مجموعات، الأولى اتجهت نحو الجهة الشمالية للقرية، والثانية نحو الجنوبية، والثالثة نحو الطرف الغربي، وتركت الجهة الشرقية مفتوحة.ثم بدأت عملية إطلاق النار وتفتيش المنازل منزلاً منزلاً، وقتل كل من يجدوه، صغيراً كان أم كبيراً، شيخاً أم امرأة ، ثم نسفوا بيت مختار القرية، وفي الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم 29 اكتوبر 1948، مرت المصفحات الإسرائيلية بالقرب من مسجد الدراويش في القرية، وكان في داخله حوالي 75 مسناً يستعدون لأداء الصلاة، فقام الإسرائيليون بقتلهم جميعاً بالمدافع الرشاشة.
وبعد ظهر نفس اليوم إكتشفت القوات المهاجمة المغارة الكبيرة "طور الزاغ" التي لجأ إليها ما يزيد عن 35 عائلة واحتموا داخلها، فأخرجوهم وأطلقوا عليهم النيران وحصدهم جميعاً قتلى عند مدخل المغارة.
وفي ساعات الليل تسلل بعض سكان القرية إلى منازلهم ليأخذوا بعض الطعام والملابس، فعمد الصهاينة إلى قتل كل من يضبط عائداً إلى القرية.
وفي سوق القرية قتل الإسرائيليون عدة أشخاص ثم جمعوا جثثهم وأضرموا فيها النيران حتى تفحمت.
كان العديد من الضحايا هم من أبناء القرى المجاورة الذين لجؤوا إلى القرية بعد سقوط قراهم في أيدي الغزاة الصهاينة، وأبيدت بعض الأٍسر بأكملها، وأجبر الأسرى على حمل جثث الضحايا وإلقائها في آبار مهجورة، وقد حطموا رؤوس الأطفال بالهراوات أمام أمهاتهم ثم قاموا بقتل الأمهات، واعتدوا على النساء أمام ذويهن دون أن يعبئوا بصياحهم واستنجادهم.
شهداء مذبحة الدوايمة
أكدت الاحصاءات التي أجمع عليها العرب والأمم المتحدة وجيش الاحتلال الصهيوني أن عدد شهداء مذبحة الدوايمة كان بين 700 إلى 1000 مواطن، هذا غير من كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ أمتعتهم وطعامهم بعد أيام من حصول المجزرة، وقد كان الإحصاء كالتالي:
- 580 شهيدا أول يومين من المذبحة (منهم 75 شخصاً معظمهم من كبار السن في المسجد).
- 110 شهيدا ممن كانوا يحاولون الدخول للقرية لأخذ متاعهم وطعامهم.
- 3 من 9 أسرى تم قتلهم في المعتقلات الصهيونية.وقد حاولت إسرائيل طمس معالم وتفاصيل تلك المجزرة، حيث صدرت الأوامر بدفن القتلى في قبور جماعية والتعتيم الإعلامي على تفاصيل المجزرة ومنع التحقيق فيها.
وصف الصهاينة
وصف أحد جنود العدو الذين نفذوا هذه المجزرة، ما شاهده بقوله " لقد قتل نحو 80 إلى 100 عربي من الذكور والنساء والأطفال، وقتل الأطفال بتكسير رؤوسهم بالعصي، ولم يكن ثمة منزل بلا قتلى، وقد أمر أحد الضباط بوضع امرأتين عجوزين في بيت، وفجر البيت على رأسيهما ".
تباهى أحد الجنود القتلة بأنه اغتصب امرأة من القرية ثم أطلق النار عليها، وتبجح أحد الجنود أمام زملائه قائلاً "لقد اغتصبت امرأة عربية قبل أن أطلق عليها النار"، وآخر أجبر إحدى النساء على نقل الجثث ثم قتلها هي وطفلها، وآخرون أخذوا ثلاث فتيات في سيارتهم العسكرية ووجدن مقتولات في أحد أطراف القرية.
استخدمت إحدى نساء القرية وعلى يديها طفل رضيع، في تنظيف المكان حيث كان الجنود يأكلون، وفي نهاية الأمر أطلقوا عليها النار وعلى طفلها الرضيع فقتلوهما، كما أطلقوا النار على طفل يرضع من صدر أمه فاخترقت الرصاصة رأسه وصدر أمه فقتلتهما والطفل يلثم الثدي، وبقايا الحليب تسيل على جانبي فمه.
المؤرخ الصهيوني بني موريس يقول في تعليقه على هذه المذبحة "لقد تمت المجزرة بأوامر من الحكومة الإسرائيلية، وأن فقرات كاملة حذفت من محضر اجتماع لجنة حزب المابام عن فظائع ارتكبت في قرية الدوايمة، وأن الجنود قاموا بذبح المئات من سكان القرية لإجبار البقية على المغادرة".
قال أحد الإسرائليين وهو أهارون كوهين "تم ذبح سكان قرى بأكملها، وقطعت أصابع وآذان النساء لانتزاع القطع الذهبية منها".
قال الحاخام الصهيوني يوئيل بن نون "إن الظلم التاريخي الذي ألحقناه بالفلسطينيين أكثر مما ألحقه العالم بنا".
قال أحد قادة حزب المابام الصهيوني وهو إسرائيل جاليلي إنه شاهد مناظر مروعة من قتل الأسرى، واغتصاب النساء، وغير ذلك من أفعال مشينة.
إن صحوة ضمير مثل هؤلاء من المؤرخين والقادة الصهاينة، لم تكشف إلا عن جزء لا يذكر من تفاصيل هذه المجازر التي ارتكبتها عصابات الدولة العبرية، على أيدي سفاحين وقتلة والذين كوفئوا فيما بعد بمناصب وجوائز بعد ارتكابهم تلك الفظائع.
بعد نكبة عام 1948 وتهجير سكان القرية العرب منها، أقيم على أنقاضها عام 1955 مستعمرة أماتزياه اليهودية، وسميت بهذا الإسم نسبة إلى "أمصيا" أحد ملوك المملكة اليهودية الذي امتد حكمه من سنة 800 وحتى سنة 783 قبل الميلاد ومن جرائمه قتله لعشرة آلاف "آدومي" وسبي عشرة آلاف آخرين جنوب البحر الميت وأتى بالأسرى إلى البتراء شرق نهر الأردن وأمر بطرحهم من فوقها فماتوا جميعا.
الصفحة السابقة الصفحة التالية